فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجُعل الموصول ما دون من باعتبار أنه عطية، أو لأن حالة الطفولة أشبه بغير العاقل.
وهذا الشرك لا يخلو عنه أحد من الكفار في العرب، وبخاصة أهل مكة، فإن بعض المشركين يجعل ابنه سادنا لبيوت الأصنام، وبعضهم يحْجُر ابنه إلى صنم ليحفظه ويرعاه، وخاصة في وقت الصبا، وكل قبيلة تنتسب إلى صنمها الذي تعبده، وبعضهم يسمى ابنه: عبد كذا، مضافًا إلى اسم صنم كما سَمُّوا عبدَ العُزى، وعبدَ شمس، وعبدَ مناة، وعبدَ يا ليل، وعبدَ ضخم، وكذلك امرؤ القيس، وزيد مناءة، لأن الإضافة على معنى التمليك والتعبيد، وقد قال أبو سفيان، يومَ أحد: اعْلُ هُبل وقالت امرأة الطفيل لزوجها الطفيل بن عَمرو الدوسي حين أسلم وأمرها بأن تسلم «لا نخشى على الصبية من ذي الشّرَى شيئًا» ذو الشرى صنم.
وجملة: {فتعالى الله عما يشركون} أي: تنزه الله عن إشراكهم كله: ما ذُكر منه آنفًا من إشراك الوالدين مع الله فيما آتاهما، وما لم يذكر من أصناف إشراكهم.
وموقع فاء التفريع في قوله: {فتعالى الله} موقع بديع، لأن التنزيه عما أحدثوه من الشرك يترتب على ما قبله من انفراده بالخلْق العجيب، والمنن العظيمة، فهو متعال عن إشراكهم لا يليق به ذلك، وليس له شريك بحق، وهو إنشاء تنزيه غيرُ مقصود به مخاطب.
وضمير الجمع في قوله: {يُشركون} عائد إلى المشركين الموجودين لأن الجملة كالنتيجة لما سبقها من دليل خَلْق الله إياهم.
وقد روَى الترمذي وأحمد: حديثًا عن سُمرة بن جندب، في تسويل الشيطان لحواء أن تسمي ولدها عبد الحارث، والحارث اسم إبليس، قال الترمذي حديث حسن غريب، ووسمه ابن العربي في أحكام القرآن، بالضعف، وتبعه تلميذه القرطبي وبيّن ابنُ كثير ما في سنده من العلل، على أن المفسرين ألصقوه بالآية وجعلوه تفسيرًا لها، وليس فيه على ضعفه أنه فسّر به الآية ولكن الترمذي جعله في باب تفسير سورة الأعراف من سنُنه.
وقال بعض المفسرين: الخطاب في {خلقكم من نفس واحدة} لقريش خاصة، والنفس الواحدة هو قُصي بنُ كلاب تزوج امرأة من خُزاعة فلما آتاهما الله أولادًا أربعة ذكورًا سمى ثلاثة منهم عبد مناف، وعبد العُزى، وعبد الدار، وسمى الرابع عبدًا بدون إضافة وهو الذي يُدعى بعبْد قُصي.
وقرأ نافع، وعاصم في رواية أبي بكر عنه، وأبو جعفر: شِرْكًا بكسر الشين وسكون الراء أي اشْتراكًا مع الله، والمفعول الثاني لفعل جعلا محذوف للعلم به، أي جعلا له الأصنام شركًا، وقرأ بقية العشرة شُركاء بضم الشين جمع شريك، والقراءتان متحدتان معنى.
وفي جملة: {فتعالى الله عما يشركون} محسن من البديع وهو مجيء الكلام متزنًا على ميزان الشعر، من غير أن يكون قصيدة، فإن هذه الجملة تدخل في ميزان الرَمل.
وفيها الالتفات من الخطاب الذي سبق في قوله: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} وليس عائد إلى ما قبله، لأن ما قبله كان بصيغة المثنى خمس مرات من قوله: {دَعوا الله ربهما} إلى قوله: {فيما آتاهما}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}.
ويروى أن هذه الآية قد نزلت في قٌصَيّ وهو جد من أجداده صلى الله عليه وسلم، فقد طلب قُصَيّ من الله أن يعطي له الذرية الصالحة، فلما أعطاه ربنا الذرية الصالحة سماها بأسماء العبيد، فلم يقل: عبدالله أو عبدالرحمن، بل قال: عبدمناف، عبدالدار، عبدالعزى. وجعل لله شركاء في التسمية، ولهذا جاء قول الحق: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}؛ ليدلنا على أن الإنسان في أضعف أحواله، أي حينما يكون ضعيفًا عن استقبال الأحداث، يخطر بباله ربنا؛ لأنه يحب أن يسلم نفسه لمن يعطي له ما يريده، وبعد أن ينال مطلبه ينسى، ولذلك يقول الحق: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ...} [يونس: 12].
إذن فائدة الضر أنه يجعلنا نلجأ إلى ربنا، ولذلك نجد الإنسان أحسن ما يكون ذكرًا لله وتسبيحا لله حينما يكون في الشدة وفي المرض، ولذلك لو قدر المريض نعمة الله عليه في مرضه وشدته، لا أقول: إنه قد يحب أن يستطيل مدة المرض والشدة. لا، بل عليه فقط ألا يضجر وأن يلجأ إلى ربه ويدعوه. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حينما قال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين. أنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدوّ مّلكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قول إلا بك».
والإنسان ساعة يوجد في المرض عليه أن يعرف النعمة فيه، فهو في كل حركة من حركاته يذكر الله، وكما تخمد فيه طاقات الاندفاعات الشهوانية، يمتلئ بإيجابيات علوية، ولذلك نجد الحديث القدسي يقول فيه ربنا سبحانه وتعالى: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب. كيف أطعمك، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب. كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي».
إذن ماذا عن حال مريض يستشعر أن ربه عنده، ويكون في المرض مع المنعم، وفي الصحة مع النعمة. {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190].
ومعنى هذا أن ربنا تبارك وتعالى ينزه نفسه عما يقول فيه المبطلون ويشركون معه ما يزعمون من آلهة. ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {جَعَلا لَهُ} قيل: ثمَّ مضاف، أي: جعل له أولادهما شركاء، كما تقدَّم في التَّأويلِ السَّابق، وإلاَّ فحاشا آدم وحواء من ذلك، وإن جُعِل الضَّمير ليس لآدم وحواء، فلا حاجة إلى تقديره كما مرَّ تقريره.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم {شِرْكًا} بكسر الشِّينِ وسكون الرَّاءِ وتنوين الكاف.
والباقون بضمِّ الشين، وفتح الرَّاء، ومدِّ الكاف مهموزةً، من غير تنوين، جمع شَريك، فالشِّركُ مصدرٌ، ولابد من حذف مضاف، أي: ذوي شركٍ، يعني: إشراك، فهو في الحقيقةِ اسمُ مصدر، ويكون المعنى: أحْدَثَا لَهُ إشراكًا في الولد، وقيلك المرادْ بالشِّركِ: النصيبُ وهو ما جعلاه من رزقهما له يأكله معهما، وكانا يأكلان ويشربان وحدهما، فالضَّميرُ في لَهُ يعود على الولدِ الصَّالحِ.
وقيل: الضمير في لَهُ لإبليس ولم يَجرِ لهُ ذكر، وهذان الوجهان لا معنى لهما.
وقال مكيٌّ وأبُو البقاءِ وغيرهما: إنَّ التقدير يجوز أن يكون: جعلا لغيره شِرْكًا.
قال شهابُ الدِّين: هذا الذي قدَّره هؤلاء قد قال فيه أبُو الحسن: كان ينبغي لمن قرأ شِرْكًا أن يقول المعنى: جعلا لغيره شِرْكًا؛ لأنَّهُمَا لا يُنْكرانِ أنَّ الأصلَ للَّه فالشرك إنَّما يجعله لغيره.
قوله: {فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} قيل: هذه جملةٌ استئنافيةٌ، والضمير في {يُشْرِكُونَ} يعودُ على الكُفَّارِ، وأراد به إشراك أهلِ مكَّة والكلامُ قد تمَّ قبله، وقيل: يعودُ على آدم وحواء وإبليس، والمرادُ بالإشراكِ تَسْميتُهُمَا الولد الثالث بعبد الحارث وكان أشَارَ بذلك إبليس، فالإشراكُ في التَّسْمية فقط، وقيل: راجع إلى جميع المشركين من ذريَّةِ آدم، وهو قولُ الحسنِ، وعكرمة، أي: جعل أولادهما له شركاء فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما أضاف فعل الآباء إلى الأبْنَاءِ في تعييرهم بفعل الآباء فقال: {ثُمَّ اتخذتم العجل} [البقرة: 51] {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} [البقرة: 72] خاطب به اليهُود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك الفعل من آبائهم.
وقيل: لم يكن آدم عَلِمَ، ويُؤيدُ الوجه الأول قراءة السّلمي: {عَمَّا تُشرِكُون} بتاء الخطاب وكذلك {أتُشْركُونَ} بالخطابِ أيضًا، وهو التفات. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}.
شرُّ الناس من يبتهل إلى الله عند هجوم البلاء بخلوص الدعاء، وشدة التضرع والبكاء، فإذا أزيلت شكاتِه، ودُفِعت- بِمِنَّتهِ- آفاتُه ضيَّعَ الوفاء، ونَسِيَ البلاء، وقابل الرِّفْدَ بنقْضِ العهد وأبدل العقد برفض الود، أولئك الذين أبعدهم الله في سابق الحكم، وخرطهم في سِلْك أهل الرد. اهـ.

.تفسير الآية رقم (191):

قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر علوه سبحانه، شرع يذكر من أوصافه عبارة وإشارة ما يدل على ذلك، ويقيم الأدلة على عدم صلاحية ما أشركوا به للشركة بعجزها، بأنها من جملة خلقه ولا تصرف لها تستحق به وجهًا من التعظيم، فقال منكرًا على عبادها دالًا على أن المراد الشرك الحقيقي، لاما ذكر من قصة إبليس في تسببه في التسمية بعبد الحارث ونحوه: {أيشركون} أي المشركون وأولادهما في العبادة {ما لا يخلق} أي من الأصنام والطبائع والكواكب وغيرها {شيئًا} أي يوجده من العدم كما يفعل الله الذي أشركوها به.
ولما كان يلزم أن يكون ما لا يخلق شيئًا مخلوقًا لأنه لا يتكون عاجزًا بغير قادر أوجده، صرح به في قوله مجريًا للأوثان مجرى أولي العلم لتنزيلهم منزلتهم في الاعتقاد والعبادة: {وهم} ولما كان المصنوع لا يكون صانعًا، اكتفى بالبناء للمفعول فقال: {يخلقون} أي متجددًا خلق أعراضهم وذواتهم وأمثالهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}.
اعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه ليس المراد بقوله: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} ما ذكره من قصة إبليس إذ لو كان المراد ذلك لكانت هذه الآية أجنبية عنها بالكلية، وكان ذلك غاية الفساد في النظم والترتيب، بل المراد ما ذكرناه في سائر الأجوبة من أن المقصود من الآية السابقة الرد على عبدة الأوثان.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
المقصود من هذه الآية إقامة الحجة على أن الأوثان لا تصلح للإلهية فقوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} معناه أيعبدون ما لا يقدر على أن يخلق شيئًا؟ وهم يخلقون.
أي وهم مخلوقون يعني الأصنام.
فإن قيل: كيف وحد {يَخْلُقُ} ثم جمع فقال: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وأيضًا فكيف ذكر الواو والنون في جمع غير الناس؟
والجواب عن الأول: أن لفظ {مَا} تقع على الواحد والاثنين والجمع، فهذه من صيغ الوحدان يحسب ظاهر لفظها.
ومحتملة للجمع فالله تعالى اعتبر الجهتين فوحد قوله: {يَخْلُقُ} رعاية لحكم ظاهر اللفظ وجمع قوله: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} رعاية لجانب المعنى.
والجواب عن الثاني: وهو أن الجمع بالواو والنون في غير من يعقل كيف يجوز؟ فنقول: لما اعتقد عابدوها أنها تعقل وتميز فورد هذا اللفظ بناء على ما يعتقدونه ويتصورونه، ونظيره قوله تعالى: {وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] وقوله: {والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] وقوله: {يا أَيُّهَا النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل: 18].
المسألة الثانية:
قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} احتج أصحابنا بهذه الآية على أن العبد غير موجد ولا خالق لأفعاله، قالوا: لأنه تعالى طعن في إلهية الأجسام بسبب أنها لا تخلق شيئًا وهذا الطعن إنما يتم لو قلنا إن بتقدير أنها كانت خالقة لشيء لم يتوجه الطعن في إلهيتها، وهذا يقتضي أن كل من كان خالقًا كان إلهًا، فلو كان العبد خالقًا لأفعال نفسه كان إلهًا ولما كان ذلك باطلًا، علمنا أن العبد غير خالق لأفعال نفسه. اهـ.